قصص

قصه استديو الاموات

قصه استديو الاموات
بعد تعب ومعافرة في محاولات كتير فاشلة للوصول، أخيرًا قدرت الاقي الكلمات المناسبة واللحن المناسب، ولحد هنا كل اللي كان ناقص على أن انا اسجل اغنية وانزلها على السوشيال ميديا واليو تيوب، هو التوزيع والموسيقى ومن بعدهم الماستر.. ومن عند النقطة دي ابتديت اسأل على الاستديوهات اللي ممكن اسجل فيها الماستر بتاع التراك.. وطبعًا، وبما أني لسه ببدأ بمجهودي الذاتي، فانا فضلت اسأل على الاستديوهات واسعارها اللي كانت عالية اوي، لحد ما وصلت عن طريق واحد صاحبي لاستديو سعره قليل، والاستديو ده حجزت فيه وجه يوم التسجيل.
يومها وبعد ما وصلت، قعدت مع مهندس الصوت والموزع وقولتلهم..
-انا لسه بقول يا هادي، فالتراك ده، يا أما هيطلعني سابع سما بسبب شغلكم وهيطلعكم معايا، يا أما تعب المؤلف والملحن وتعبي وتعبكوا، هيترموا في الأرض.
بصوا لبعض وبعد كده رد عليا مهندس الصوت او التقني وهو بيبصلي بابتسامة ثقة..
-لا، من الناحية دي ماتقلقش، احنا عارفين شغلنا كويس، وصدقني.. التراك ده هيطلع أحسن ما انت متوقع.
فرحت لما قال لي كده وخدت ثقة في نفسي، وبعد ما بقت كل حاجة جاهزة، دخلت أوضة التسجيل ووقفت قصاد المايك وابتديت اغني كلمات الأغنية، وده في الوقت اللي فيه مهندس الصوت، او التقني، كان قاعد برة الأوضة على الجهاز اللي بيتسجل فيه صوتي، واللي كان بيفصل ما بين الأوضة اللي انا فيها، والأوضة اللي هو فيها، لوح أزاز كان مخليني شايفه وهو كمان شايفني كويس.. عينه كانت عليا وانا بغني وكل شوية يشاورلي بعلامة صح، وده معناه إن صوتي تمام والايقاع مظبوط، لكن المشكلة ماكانتش عنده، المشكلة كانت عندي انا.. انا اللي كنت مش مظبوط، مش عارف مالي، زي ما يكون في حاجة بتشتت انتباهي، بس لا.. زي ما يكون ايه!.. ده فعلًا في حاجات غريبة كانت بتشتت انتباهي، بدايةٌ من الهوا السخن اللي كنت بحس بيه حواليا، ومرورًا بأصوات الهمس اللي كنت بسمعها مختلطة مع الموسيقى اللي طبعًا بسمعها في السماعات اللي على وداني.. وفضلت متشتت ومش مركز، وبرغم كل ده برضه، كنت بحاول افضل ثابت على أدائي، لحد ما فجأة سمعت صوت غليظ اتكلم مع الموسيقى، كان صوت لشخص ما.. شخص قال كلمات، بعيدة كل البُعد عن الأغنية وكلماتها!.. والكلمات دي كانت كالأتي…
(النار… اااه… الحقني.. الحقني.. النار)
حاولت اتجاهل الصوت والكلمات وكابرت وكنت عاوز اكمل، بس فجأة سمعت صوت صرخة عالية اوي، عالية لدرجة إن انا اتخضيت ورميت السماعات وخرجت بسرعة من الاستديو، ومع خروجي، بصيت للتقني اللي كان بيبصلي باستغراب وقولتله بعصبية..
-في ايه يا استاذ ماجد.. مش معقولة كده، المزيكا فيها مشكلة، انا عمال اسمع معاها اصوات وناس بتتكلم، وفجأة سمعت صوت حد بيصرخ!
بص لي باستغراب اكتر وقال لي..
-همس ايه ومين ده اللي بيصرخ!.. انا لسه كنت هسألك انت خرجت ليه يا فنان، المزيكا سليمة ومافيش معاها أي أصوات.. حتى اسمع كده.
لما سمعني الموسيقى، مالقتش معاها أي أصوات غريبة، بصيت للشاشة اللي قصاده بقلق وبعد كده بصيتله ورَفعت كتافي، وقتها قام وقف وقالي بكل هدوء..
-ولا يهمك يا نجم الشرق، وارد.. التوتر والقلق ممكن يخلوك مش مركز او بيتهيألك أصوات مع المزيكا.. بص، انا هخرج اجيبلك ينسون واجيب لنفسي قهوة من الكافيه اللي جنبنا، وانت اقعد بقى كده على الكنبة اللي هنا دي وارتاح شوية.. ارتاخ وحاول تهدا كده لحد ما اجيلك.
طمنت نفسي وقعدت، بعدها خرج هو من باب الاستديو وقعدت انا مع نفسي اراجع كلمات الاغنية، وفي وسط مراجعتي ودندنتي للكلمات، سمعت حد بيدندن معايا بنفس الكلمات، كان زي صدى صوت!
قلقت وسكتت خالص، بس الصوت ماسكتش، الصوت فضل يكرر في كلمات الاغنية بصوت واطي لحد ما فجأة.. سمعت نفس الصرخة اللي سمعتها وانا بسجل الاغنية، بس المرة دي خرجت من السماعات الكبيرة، وطبعًا المرة دي كانت اعلى وأشد.. فبسبب المفاجأة وخضتي من الصوت، اتنفصت من مكاني، وقبل ما اخرج او اتكلم او اعمل أي حاجة، اتفتح باب الاستديو ودخل ماجد..
-معلش بقى يا نجم.. الكافيه قافل، وبعدين انا سيبتك شوية اهو تهدي اعصابك، يلا بقى نسجل وننجز عشان ورايا مصالح تانية.
هزيتله راسي ودخلت اسجل، وبرغم الهمس والكلام اللي مش مفهوم اللي كنت سامعه مع الموسيقى، إلا إني غمضت عيني وسرحت وابتديت اغني، وبعد ما وصلت لنص الاغنية تقريبًا، فتحت عيني عشان الاقي ماجد مش موجود برة!
شيلت السماعات من على وداني وخرجت ادور عليه زي المجنون..
-الله!.. راح فين ده وسابني وانا بسجل؟!
في اللحظة اللي قولت فيها كده، جت لي الأجابة لما الباب اتفتح ودخل ماجد وهو في إيده كوبايتين..
-احلى ينسون لأحلي نجم في الدنيا.
برقتله وبصيت للكوبايات اللي في إيده..
-ايه ده؟!.. انت مش من شوية دخلت وقولتلي إنك لقيت الكافيه مقفول، وإننا لازم نسجل عشان وراك مصالح تانية!
قعد على الكرسي اللي كان قاعد عليه قبل ما يخرج وهو بيضرب كف على كف..
-استغفر الله العظيم.. جرى ايه يا عمهم، هو النهاردة يوم التهيؤات ولا ايه، كافيه ايه بس اللي قافل، ده بيشتغل ٢٤ ساعة.. وبعدين انا ورايا مصالح في استديوهات غير ده، بس مش لدرجة إن انا اكروت الشغل يعني.
-ازاي يعني؟!.. انت عاوز تقنعني انك مادخلتش من شوية وخرجت تاني؟!
-لا يا سيدي مادخلتش، انا خرجت عشان اجيب الينسون والقهوة ولسه راجع حالًا.. اتفضل اشرب بقى عشان تهدا.
لما قالي كده، قربت من الشاشة اللي قصاده وقولتله بلهفة..
-انا لا هشرب ولا هتنيل.. انا سجلت حالًا جزء من الاغنية، شغله كده.
مسك الماوس وفضل يقلب في حاجات لحد ما شَغل صوت، كان صوتي وانا بغني.. بس ماكنتش بغني كلمات الاغنية بتاعتي، واللي انا متأكد كويس اوي اني كنت بغنيها.. انا.. انا كنت بقول كلام غريب على نفس اللحن.. كلام زي (الحقوني الحقوني.. النار النار النار.. بمووت.. بموت)
وفجأة صوتي سكت!
بص لي ماجد وبعد كده بص للشاشة ورجع بص لي تاني..
-نهارك ابيض يا ابا.. ايه اللي انت بتقوله ده، انت مصطبح قبل ما تيجي ولا ايه حكايتك؟!
اتعصبت عليه لما قالي كده وحصلت ما بيننا خناقة انتهت بأن انا كلمت صاحب الاستديو، ولغيت الحوار، والغريب في الموضوع بقى إن صاحب الاستديو ماتكلمش معايا في أي فلوس، يعني وافق يرجعلي المبلغ اللي دفعتهوله من غير ما يخصم منه حق الوقت اللي انا استخدمت فيه الاستديو، او حتى اي جزء لماجد!.. والحقيقة انا ماخدتش في بالي وخرجت من الاستديو انا وماجد، بس انا روحت على الكافيه اللي جنبه، كنت شايط بصراحة لما خرجت، وعشان كده طلبت قهوة وطلعت سيجارة وولعتها، ووقت ما القهوة جت، كنت بكلم الملحن في التليفون وبحكيله اللي حصل، وبعد ما خلصت معاه وقفلت، بص لي الشاب القهوجي اللي كان مركز معايا اوي طول المكالمة، وقبل ما اسأله انت بتبصلي كده ليه، قرب مني وقال لي..
-احمد ربنا انك ماتلبستش وخرجت من الاستديو ده على رجليك.. ده اخر واحد سجل فيه قبل ما يتقفل، عمل حادثة ومستقبله ضاع.
اترسمت على وشي علامة استفهام كبيرة وانا بسأله..
-هو في ايه، انا مش فاهم حاجة؟!
قرب القهوجي مني وقالي بصوت مسموع..
-انا سمعتك وانت بتكلم صاحبك وبتحكيله على اللي حصلك وانت بتسجل الاغنية جوة، وكمان سمعتك وانت بتقوله إنك مستغرب من أن الراجل رجعلك الفلوس كلها من غير اي حوارات.. بس لا.. ماتستغربش، اصل الاستديو ده من سنين كان مخزن كبير، واللي كان بيملك المخزن ده كان راجل بتاع تَومين؟!
رفعت له حاجبي باستنكار..
-تَومين!… ااه.. قصدك تَموين؟!
-ايوة.. بالظبط كده يا نجومية، المهم إن الراجل ده كان بيبيع للناس بضاعة بالأجل، وكان بياخد حقها على دفعات، بس ماكنش بياخد تمن البضاعة العادي كده، ده كان بياخد تمنها الضِعف، وفي مرة من المرات، لما ست من اللي كانت واخدة منه بضاعة ماقدرتش تسدد، هددها إنه هيحبسها لأنها كانت ماضية له على كومبيالات عدم اللامؤاخذة، فاستغل يا عيني ضعف الست وقلة حيلتها، وبقى يجيبها المخزن عشان يقضوا وقت سوا.. والراجل شكله كده استحلاها، وبدل ما ياخد منها حق البضاعة فلوس، بقى بياخدها حاجة تانية، والست هي كمان شكلها استحلت الحوار وبقت تجيليه المخزن كل فترة عشان يديها بضاعة ببلاش، وفي مرة من المرات.. جوزها الراجل الغلبان الشقيان، عرف.. عرف وطب عليهم وولع فيهم وقفل المخزن عليهم من برة.. وطبعًا الاتنين ماتوا والراجل جوز الست هرب، ومن بعدها والمخزن فضل مقفول لحد ما من فترة جه واحد خده وقلبه استديو، بس كل اللي اشتغلوا فيه كانوا بيقولوا إنهم بيسمعوا اصوات غريبة وبيشوفوا حاجات اغرب.. اللي كان بيسمع ناس بتصوت، واللي كان بيشوف الراجل والست اللي ماتوا محروقين، وفضل الحال على كده لفترة.. ناس تيجي وناس تمشي، لحد ما الاستديو طلع عليه سمعة، لكنه ماتقفلش، ده اتقفل بسبب أن مغني شعبي زي حضرتك كده، جه سجل فيه اغنية وضربت اوي، وبعد ما الاغنية نزلت، الراجل حصلتله حادثة أتسببت في إنه بطل غنا خالص واتجنن بعيد عنك، ومن ساعة الحوار ده.. وكل المغنيين والناس اللي في الوسط، قالوا لبعض إن الاستديو ده ملعون.. وبسبب الكلام ده، اتقفل الاستديو وفضل مقفول وماحدش بيهوب ناحيته، لحد ما انت جيت، وبس يا سيدي.. ادي كل الحكاية، الراجل وافق يديك الفلوس، عشان مايحصلش زي ما حصل قبل كده، وتروح انت بقى تقول للي تعرفهم إن الاستديو ده مسكون بعفريت الراجل بتاع التومين وعشيقته اللي..
قطع كلام القهوجي صوت صاحب الكافيه اللي قال بصوت عالي..
-انا سامع كل رغيك.. كفاياك رغي يا ابن الرغاية وتعالى شوف طلبات الزباين، ما اللي يتلبس يتلبس واللي يتنيل يتنيل، قال يعني اللي بيعملوه ده أسمه مغنا بصحيح.. ما تسيبه، اقله، اللي بيجعروا هيقلوا واحد.
سابني القهوجي وراح شاف شغله، اما انا بقى، فانا اتكتمت خوفًا من صاحب الكافيه بصراحة لأن كان شكله يخض، وكمان انا كنت في منطقته، فمن غير ما انطق ب ولا كلمة، قومت حاسبت على اللي طلبته وخدت بعضي وطلعت جري على صاحبي اللي دلني على صاحب الاستديو ده.. صاحبي اللي بالرغم من إنه أنكر إنه يعرف حوار عفاريت الاستديو، إلا إني اتخانقت معاه وقاطعته، ومش هو بس اللي قاطعته، انا كمان قاطعت سكة المغنى دي خالص وكملت في شغلانتي الاصلية، سواق توكتوك.. بس عارف يا صاحبي المشكلة الكبيرة فين، المشكلة إن انا اوقات كتير بسمع صوت الراجل ده في وداني، صوت الراجل اللي بيستنجد وبيصرخ، ومش هقولك بقى بسمعه في أوضتي وبالليل وكل الكلام ده، لا.. انا بسمعه حتى وانا سايق التوكتوك، وعشان كده بقيت تملي بشغل اغاني شعبي بصوت عالي عشان ماسمعوش، وده طبعًا بيتسبب في إن الزباين بقت تتخنق مني وبطلت تركب معايا، وياريتها جت على قد كده.. دول الناس اللي في موقف التكاتك، سموني المجنون بسبب اني بتلفت حواليا طول الوقت، اه.. افتكروني مجنون، مع إني في الحقيقة لسه بسمع اصوات الاستغاثات.. أصوات الاستغاثات اللي سمعتها لأول مرة في الاستديو اياه.. استديو الأموات.
#محمد_شعبان
قصه استديو الاموات
قصه استديو الاموات
قصه استديو الاموات
قصه استديو الاموات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى